الأعمدة

وجهة نظر فنية نادر الداني نظرة فنية للقاء المريخ والترجي التونسي

وجهة نظر فنية
نادر الداني
نظرة فنية للقاء المريخ والترجي التونسي

أكثر المتفائلين لم يكن يتصور أن يؤدي المريخ مباراته امام الترجي بهذا الأداء المميز دفاعياً فقد أدى المريخ واحدة من اقوى مباريات في الآونة الأخيرة واقنع الكل بما فيهم الجمهور الذي شهد اللقاء من ملعب رادس بل ان الجهاز الفني للفريق التونسي بقيادة معلول كان قد قنع تماما من الثلاث نقاط قبل ان يرتكب الحارس المصطفى والدفاع خطأً فادحاً في الزمن بدل الضائع سلم على اثره نتيجة المباراة لفرقة الترجي التونسي بعد ان ابلى لاعبو المريخ بلاءً حسنا وقدموا محاضرة كروية في الاستبسال والدفاع عن العرين ولكن للأسف لم يحسنوا عملية الختام حيث كان يتوجب عليهم قتل اللعب تماما لان هناك عدة أساليب كان ينبغي على اللاعبين أصحاب الخبرة في المريخ تفعيلها رغم قدمها الا انها تلعب دوراً كبيرا في قتل المباراة مثل الارتماء ارضاً او التمثيل على الحكم او إضاعة الوقت بأساليب أخرى مثل الاحتفاظ بالكرة والأخيرة هذه كان من الصعب ان يفعلها اللاعبون نسبة لعامل فقدان اللياقة البدنية والتعب والارهاق الذي ظهر على وجوه اللاعبين خاصة في الربع ساعة الأخيرة ناهيك عن الزمن بدل الضائع .

كان واضحا ان لاعبي المريخ قد استهلكوا تماما بسبب الاعداد القصير وغير الكافي لإتمام عملية البناء اللياقي لديهم فعندما يفقد اللاعب المخزون اللياقي تماما فان ذلك يتبعه نوع من التراخي والتشتت الذهني وكذلك الارتباك في التصرف في احلك المواقف وهذا ما حدث لخط دفاع المريخ الذي فشل في ابعاد الكرة حيث تقدم كرشوم وحمزة نحو الشباك لحمايتها من الكرة اذا ما تم تصويبها نحو المرمى ظنا منهما بانه يمكن التصدي للتسديدة بدلا عن الحارس المصطفى والذي خرج في توقيت غير سليم لاستلام الكرة لكن رجل اللاعب جاءت فيه ومنعته من الإمساك بالكرة وبالطبع وفي هذه الدقائق العصيبة لن يصفر الحكم ويحتسب مخالفة لصالح المريخ لأنه بكل البساطة كان سيجد السخط والغضب من قبل الجماهير التونسية ولاعبيها .

نأتي الان لنحلل أداء المريخ وكيف بنى ريكاردو استراتيجيته الدفاعية فنقول بان ريكاردو بنى خطته من قبل ان تبدأ المباراة فمنذ ان طالعنا تصريحه في المؤتمر الصحفي قبل اللقاء بأنه يسعى للتعادل وان التعادل جيد بالنسبة له فهم الجميع ماذا يقصد والى ماذا يرمي ريكاردو من هذا التصريح ويبدو ان البرازيلي كان واضحا وصريحا في تصريحه فلقد كان يعمل للخروج بالتعادل فعلاً واوضحت مجريات المباراة مدى صدق البرازيلي وعدم استخدامه لأسلوب (الحرب خدعة) ومعنى ان يخرج بالتعادل فهذا يوضح السياسة التي يعمل بها ويسعى لها بكل صراحة ووضوح فلقد كان يرمي الى وقف هجمات الترجي على مرمى المريخ وبكل بساطة نقول بان ريكاردو لم يك عازماً على تحقيق الفوز فلقد تعامل بواقعية مع فريقه واعداده الناقص واختار ان يضع كل الفريق في الناحية الدفاعية مع وضع طوق وساتر دفاعي كامل حول مرمى المريخ حير لاعبي الترجي وجعلهم يفقدون اعصابهم في بعض فترات المباراة وكادت المباراة ان تفلت من يد الحكم في بعض الأحيان.

الترجي الذي بالطبع سمع تصريح ريكاردو بنى خطته على التقدم ببطء في بداية المباراة نحو مرمى المريخ وكان يجس النبض كعادة الفرق التي تلعب على ارضها وسرعان ما تكشف له محدودية امتلاك المريخ للكرة ونقلها في الجزء الخاص بملعبه ناهيك عن نقلها في الجزء الخاص بالترجي فوضع الحارس المصطفى للكرة في مكان الست ياردات ولعبها مباشرة للهجوم وبالأخص للبرازيلي باولو كان احد المشاهد المتكررة لنا نحن المشاهدين وهي تفسر بان المريخ لم يكن يسعى لامتلاك الكرة او نقلها بين اللاعبين بل كان يسعى لان يرسل الكرة للاعبي الترجي ثم ينتظر قدومهم للهجوم عليه ثم التصدي لهم ومنعهم من الوصول الى مرمى المريخ ورغم ان هذه الطريقة قديمة وعفى عليها الزمن واعنى عدم البناء من الخلف بصورة طبيعية ومرحلة الكرة الى الامام من الدفاع الى الوسط ثم الهجوم فالمريخ لم يفعل ذلك بتاتاً طيلة زمن اللقاء وهذا يفصح وبجلاء وبوضوح عن نية لاعبيه في الدفاع فقط ثم الدفاع فقط عن مرماهم ضد هجمات الترجى ولا يرغبون بفعل شيء آخر .

لذا كان من الطبيعي ان نشاهد مباراة (قون وباك) ورغم ذلك وجد المريخ فرص نادرة لإصابة مرمى الترجي لكنها طبيعية جداً اذا ما قورنت بعدد هجمات الترجي المتتالية .

ما نرغب في ايصاله ان فكر المدرب البرازيلي ريكاردو كان محصوراً في امر معين وخطة اقفل عليها بالضبة والمفتاح ولم يسع لفتحها او إعطائها خيارات أخرى فلقد حصر نفسه في اغلاق المنافذ فقط دون ان تكون هناك نوافذ أخرى ووسائل أخرى يلجأ لها علماً بأن ما فعله ريكاردو كان خاطئا ً وقديما وبالياً عفى عليه الزمن فنفس هذه الخطة يتم استخدامها ولكن بطريقة أخرى أكثر براعة وخفاءً وتكتيكاً ونباهة فمعظم الفرق التي تهدف الى اغلاق المنافذ ومنع الفرق الأخرى من الاقتراب من مرماها تستخدم الأسلوب المعروف (خير وسيلة للدفاع هي الهجوم) ولكننا لا نعن الهجوم بمعناه اللفظي وهنا نعنى امتلاك الكرة وتطويعها بين اقدام اللاعبين ونقلها من مربع الى آخر ولو لفترة وجيزة فهذا كان كافياً بأن يعطي المنافس انطباعاً كاملاً عن قوة المريخ وبراعة لاعبيه ومهاراتهم العالية في عمليات الاستلام والتسليم وتسريع الكرة وفتح الخانة ودعم الزميل وكلنا شاهدنا فرق مثل صنداونز الجنوب افريقي كيف يتناقل لاعبوه الكرة في خفة ورشاقة وثقة كبيرة كيف يمكنهم نقل الكرة في مساحة ضيقة للغاية من الدفاع الى الوسط ثم الى الهجوم وكيف يمكنهم نقل الكرة وسط كماشة من المدافعين او لاعبي الوسط والخروج بها في المساحات الخالية لذا لديهم ميزة رفع رتم المباراة او تخفيضه واستعمال جانب الهدوء في اللعب ، وقد يقول قائل بان لا مقارنة بين المريخ وصندوانز وانا أقول بان اللاعب الذي يصل الى مرحلة يلعب فيها في فرقة كبيرة مثل فرقة المريخ لابد له من مهارات تمكنه من اجراء عمليات الاستلام والتسليم واستخدام جانب السرعة في ذلك فهذه ابسط الأمور التي يجب ان تكون متواجدة في لاعب المريخ اليوم وان لم تك موجودة فلا ينبغي له ان يرتدي هذا الشعار لان امتلاك الكرة وتمريرها بين اللاعبين هي ابسط ما يمكن ان يفعله اللاعبون في أي مباراة مهما كان وزنها علماً بأن هذه العملية لو اصر عليها اللاعبون لفعلوها مرة ومرة ثم أصبحت بالنسبة لهم عادة وخبروها وعرفوا اسرارها لذا يمكن اجادتها والتدرب عليها مراراً وتكراراً ولكن …

ريكاردو الذي انتهج أسلوب (التطفيش) او تسليم الكرة للمنافس اذاق الجماهير مر العلقم في الزمن القاتل وتركهم يعضون بنان الندم في حسرة والم عندما شاهدوا لاعبيهم وهم يرتمون ارضاً وشباكهم مفتوحة على مصرعيها في الزمن بدل الضائع ، منظر كان مؤلماً حقاً عندما تشاهد الحسرة على وجوه اللاعبين بعد ان داعبهم الامل في الخروج باقل الخسائر وهو التعادل السلبي ووضع نقطة في الجراب ولكن أتت الرياح بما لا تشته السفن وقدر الله ما شاء فعل، انها كرة القدم ليس الا..

لا نريد ان نقسو على ريكاردو أكثر من ذلك فالفريق امامه عمل كبير لابد ان يقوم به وهو الان عرف إمكانيات لاعبيه وكيف سيكون تصرفهم في المباريات التي تحتاج الى المدافعة فيها بينما عليه الان ان يعمل لتجهيز الفريق لدك حصون الزمالك باي شكل كان وهنا تكمن صعوبة المهمة القادمة لان المدافعة والاحتفاظ بالشباك هو امر هين ورغم ذلك فشل فيه ريكاردو بينما المهاجمة وطلب الفوز والتفوق على المنافس يحتاج الى أمور أصعب وأكثر صعوبة من المدافعة وحماية الشباك من المنافس.

ونرجع لنقول بان الترجي فريق ما ساهل وصعب المراس ولكنه ليس بالفريق الذي لا يمكن هزيمته في عقر داره ولو اتجهت تصويبة صانع الألعاب ماتيوس كوتيلو نحو مرمى بن شريفية لأثبتت هذا الكلام ولكنها اثبتت ان الفريق لو تناقل لاعبوه الكرة لسنحت لهم فرص عظيمة امام مرمى الترجي مثل فرصة البرازيلي وكذلك فرصة المخالفة خارج الخط والتي لعبها باولو سيرجيو وكذلك ابعدها الحارس التونسي الى الركنية فهذه الهجمات القليلة التي اتيحت للمريخ كان يمكن ان تتاح اضعافها في حالة بناء ريكاردو لخطته على أساس الخروج بالكرة بانتظام وبتركيز تام مع دعم الزميل الذي بحوزته الكرة والتقدم الى الامام بصورة جماعية تمكن المريخ من خلق الفرص وفي ذات الوقت تجعله يدافع بصورة تريح الدفاع وتجعله يركز اكثر واكثر خلال المباراة فاندفاع المريخ نحو الامام بصورة جماعية وبكتلة واحدة سيجعل الترجي يتراجع لافتكاك الكرة وحماية مرماه وفي هذه الاثناء سيكون الدفاع قد اخذ راحته ووقفته واستعد لصد الهجوم براحة اكثر وقوة وفكر ذهني متقد بينما كان سيكون هجوم الترجي مرتبكا لأنه سيفكر في عدم قطع الكرة لخوفه على المرتدات السريعة ولخوفه ان يتم قطع الكرة واستخدامها في الهجوم عليه لذا انت سوف تدافع وتهاجم بشكل جيد وستكون المباراة شبه مضمونة لعدم الوصول الى مرماك وعلى قلة الهجمات التي سوف تصل ستكون قد عرفت كيف تتعامل معها .

هكذا تبنى خطط الدفاع يا ريكا …!!!

لا تضع فريقك كله في جانب واحد ثم تخبرهم بإخراج الكرة للمنافس ليعود مرة أخرى لهم دون ان يرتاحوا او يأخذوا انفاسهم فهذا يعرضهم للإرهاق والتعب الجسدي والنفسي ويجعل مرماهم عرضة لسيل من الهجمات المتتالية وكذلك يعطي المنافس الثقة بان مرماه بخير وبالتالي يتقدم بثقة مفرطة وبهدوء تام دون ان يكون هناك ما يشغله فيفعل ما يحلو له وكان من الطبيعي ان يزور شباك المريخ فلقد توقعت ذلك في كل دقيقة كان يلعبها المريخ في هذه المباراة لان طريقة اللعب لم تك مناسبة وفي المرة الوحيدة التي وصلت الكرة للاعبي المريخ وتناقلها اكثر من ثلاثة لاعبين ظهر شكل الفريق بصورة اكثر من رائعة ولكن..!!

لم يكتف الجهاز الفني للمريخ بالطريقة العقيمة التي فطمها للاعبيه بل زاد في ذلك بالأخطاء في التبديل وكذلك في محدودية التفكير بالإبقاء على اكثر اللاعبين سلبية وهو المهاجم البرازيلي سيرجيو والذي كان عالة على كل الفريق بل ان مطاردته لمدافعي الترجي كانت سلبية ولم تك توحي بانه يشكل قلقاً مستمرا بالنسبة لهم فحتى الكرات التي كانت بالقرب منه او تم تمريرها اليه لم يستطع اللحاق بها وكان واضحا بانه يلعب وهو غير مكتمل الجاهزية البدنية وانه يحتاج الى عمل كبير من اجل الدفع به في مثل هذه المباريات ورغم اننا فهمنا هذا الشكل للمهاجم البرازيلي منذ اول وهلة ولكننا ظننا ان اللاعب لن يبقى في هذه المباراة أكثر من شوط واحد لكن ريكاردو ابقى عليه لمدة شوط كامل بالإضافة الى الشوط الثاني حتى قرب نهايته.

أخطأ الجهاز الفني للمريخ عندما رمى بكل من احمد ادم بيبو وعمار طيفور بديلين لكل من برايان ومازن فلقد اخفق احمد ادم كالعادة في المردود الدفاعي ولم يقدم نصف ما كان يقدمه مازن وكان ثغرة واضحة وبدأ ان الترجي بعد ان كان يلعب طيلة الشوط الأول في الجهة اليمنى لدفاع المريخ فلقد تحول بعد دخول بيبو للجهة اليسرى لتصبح هي المعبر الأساسي له ووجد فيها اكثر من ممر فاتح للعبور ليتحمل دفاع المريخ والحارس المصطفى عبء الجهة اليسرى ويخرجوا اكثر من فرصة سانحة للتسجيل.

ثم دخل الجزولي نوح بديلا لرمضان عجب والتكت بديلا لسيلفا وقد تأخر هذا التبديل بصورة كبيرة حيث كان يجب دخول التكت والجزولي منذ بداية الشوط الثاني حتى يتسنى لهما فعل شيء في هذه المباراة وليس من المنطق ان ننتظر تدخلهما لفعل امر إيجابي والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

على لاعبي المريخ ان يعرفوا بانهم مسؤولون عن الهدف الوحيد الذي احرزه الترجي نسبة لعدم قيامهم ببعض الأمور الفنية التي كان يجب اتباعها لترويض المنافس وابعاده عن مرمى المريخ خاصة في الدقائق الأخيرة للمباراة ففي هذه الحالة لابد من استخدام تكتيك تأخير الكرة بصورة إيجابية وابرزها الاحتفاظ بالكرة وترويضها واجبار المنافس على ارتكاب المخالفات او الذهاب الكرة على اجناب الملعب وجعلها دائما بعيدة عن المنطقة الخاصة بالمريخ وتلك أمور كما ذكرنا لم يفكر فيها اللاعبون وظنوا أن المباراة قد انتهت وانهم على مقربة من النهاية لكن محدودية تفكير اللاعبين وقلة المخزون اللياقي والبدني والذهني لديهم أيضا كان سببا في ذلك.

حالياً الفريق مطالب بضرورة الفوز في مباراة الزمالك عشية الجمعة القادمة وهذا سوف يضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق اللاعبين فبعد ان كانوا مطالبين بالحفاظ على شباكهم نظيفة امام الترجي اصبحوا الان مطالبين بترك الشباك ومن ثم التقدم لتحقيق الفوز وهنا تختلف المعايير وعمليات البناء لهذه العملية وعلى الجهاز الفني للمريخ ان يعود ويفطم لاعبيه بكيفية المحافظة على الشباك مع التقدم للأمام لدك حصون المنافس ومن هنا سوف نشاهد ما كان يجب على المريخ ان يفعله في مباراة الترجي وما كان يجب ان يقوم به اللاعبون في مباراة الامس سيقومون به الان في مباراة الزمالك القادمة عندها سيظهر أسلوب المريخ وسترون مريخاً جميلاً رائعا يلعب الكرة الممرحلة الجميلة وفي نفس الوقت مريخ يدافع بقوة عن مرماه لحماية شباكه من مرمى المنافس.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!