وجهة نظر فنية
نادر الداني
التحليل الفني للقاء المريخ والاهلي
خسارة المريخ أمام الأهلي القاهري قبل يومين كانت حديث الساعة ومازال صداها يتردد حتى الآن، وهذا الموضوع هو أحد النقاط السلبية التي تؤثر على فرقنا التي تشارك في تلك البطولات سواء كانت أفريقية أو عربية باعتبار اننا نقف كثيرا في مثل هذه الأمور بالنقد العاطفي والذي يجتاح وسطنا الرياضي ويطغى على عواطفنا وميولنا الرياضية وبدلا من الاستفادة الكاملة من سرد الأحداث بطريقة علمية وعقلية سليمة لندرك كيفية تلافيها مستقبلا فإننا اصبحنا ندمن البكاء على ما فات وعلى ما مضى دون وضع للحلول التي تجنبنا الوقوع مرة أخرى في شرك الأخطاء الفنية القاتلة حيث ظللنا ولوقت طويل نقع في ذات الأخطاء الفنية عاما بعد عام.
أخطاء المريخ في مباراته أمام الاهلي القاهري لم تك فردية من جانب اللاعبين فحسب بل هي تدل على عدم قراءة ودراسة المنافس بصورة واقعية قبل بداية اللقاء واتسآل ماذا كان يفعل الانجليزي ومعاونه الوطني قبل اللقاء بايام؟ فالناظر للأهلي يدرك تماما الطريقة التي كان يلعب بها الأهلي أمام منافسيه وكذلك الناظر من الوهلة الأولى لأداء المريخ يدرك أن جهازه الفني لم يضع الاعتبار الصحيح لحجم الأهلي ولعب معه بصورة أو اسلوب مفتوح يدل على عدم تقدير لقوته ومهارة لاعبيه فترك دفاع الاهلي يبني الهجمة بحرية تامة كان هو أول الاخطاء التي تمت ملاحظتها في هذه المباراة فطريقة الأهلي تعتمد كلية على بناء الهجمات من الخلف عن طريق التمرير الأرضي من جانب الشناوي للاعبيه في خط الدفاع مع نزول الوديانج لاعب المحور للاستلام ومن ثم التحرك وفق الخطة المرسومة بانسحاب الأطراف الهجومية للوسط للهروب من الرقابة مع تبادل المراكز عند الأطراف واللعب على المساحات الخالية بالتسلل خلف مدافعي المريخ أو اخذ أماكن بينهم لانجاح عمليات الون تو والخد وهات داخل الخط وخارجه وفي السنتر وبين الاطراف وكذلك التركيز في اللعب على الاطراف واستخدام جانب السرعة في المرور من المدافعين وكل ذلك يجري بدقة تامة وحالة الشرود الذهني التي انتابت لاعبي المريخ كانت سائدة في بداية المباراة ليستغلها هجوم الاهلي لأن هذه الحالة جعلت لاعبي المريخ يفقدون السيطرة على التركيز بترك الرقابة الصارمة على لاعبي الأهلي في الوسط خاصة من جانب محمد الرشيد والذي كان تائها وكذلك توني والسماني في عدم إجراء الرقابة والضغط عل حامل الكرة والاكتفاء بالجري في الملعب بجوار لاعبي الاهلي دون إجراء رقابة صارمة وضغط عليهم لتقليل المساحات وحرمانهم من عمليات الون تو وخد وهات عند الهجمة المضادة فكان من الطبيعي عندما يبني الاهلي الهجمة بصورة صحيحة كما رسمها لهم مدربهم الجنوب افريقي متسوماني أن يتم ختامها بصورة صحيحة نتيجة لعدم وجود فعل مضاد يفسد هذه الهجمة ويلخبط حساباتهم وقد استمر الأهلي على طريقته المكشوفة والناجحة طيلة شوط اللقاء الأول ليختمها بهدفين في شباك منجد النيل.
منظر رمضان عجب وهو يجري من الجهة اليسرى للجهة اليمنى مطاردا لاعبي دفاع الأهلي تكرر كثيرا حتى مل المشاهد من رؤيته خلال الشوط الأول وقد كان واضحا للعيان وبنسبة كبيرة أن رمضان يهدر في مخزونه اللياقي بدون أي فائدة تذكر بينما بقية لاعبي المريخ خاصة السماني وتوني بعيدين عنه بمسافة لذلك كان من الصعب عليه تشكيل أي تأثير ايجابي طالما يتبع هذه الطريقة لتشكيل ضغط على الدفاع الاهلاوي.
احتاج لي كلارك لقرابة شوط كامل حتى يستوعب ما يفعله لاعبو الأهلي ليتحدث بين الشوطين للاعبيه بضرورة الضغط على لاعبي الاهلي في مناطقهم
من أجل حرمانهم من عملية البناء السليمة من الخلف وهنا تقدم السماني والصيني وتوني لمؤازرة رمضان لتشكيل ضغط متصل على لاعبي الأهلي ومحاولة جرهم للاخطاء الدفاعية وعدم إخراج الكرة بطريقة سليمة وقد نجحوا في ذلك نوعا ما حيث شاهدنا المريخ يصل لمناطقهم ويهدد مرمى الشناوي بأكثر من فرصة خلال الشوط الثاني بل نجح المريخ بعد التعديل التكتيكي في الحد من خطورة هجمات الأهلي من العمق والأطراف وبدأت تظهر لمسات واسلوب اللاعبين في عمليات التقدم والتنوع من العمق والأطراف بصورة مميزة لينتج عن ذلك هدفين لتوني والسماني ولكن ما حدث بعد هدف السماني هو الاعجب والاغرب وهنا لن اتحدث عن التعديلات الخاطئة التي اجراها المدرب فلقد كان لها تأثيرها المباشر وانما سأتحدث عن نفسية اللاعبين وعدم تداركهم لما حدث ففرحة الهدف الثاني اعطت اللاعبين جرعة معنوية عالية لكنها للاسف كانت مفرطة وقاتلة فبدلا من التماسك والتشدد أكثر في اعمال جانب الرقابة الصارمة وقتل اللعب ومحاولة امتصاص حماس لاعبي الاهلي واجبارهم على تقبل النتيجة عن طريق القيام بعدة أمور فنية يعرفها اللاعبون جيدا كما ذكرناها اعلاه بقتل اللعب او التحضين على الكرة واللعب بها في الأطراف وجر المنافس بعيدا عن مرمى المريخ وهذه الأمور الدقيقة يعرفها اللاعبون (الشفوت) والذين لديهم خبرة مميزة ويعرفون من أين تؤكل الكتف وكيفية كسب الزمن بصورة قانونية واراحة الدفاع وجعله يتماسك بإغلاق أطراف الملعب تماما وكذلك زيادة عامل التركيز الذهني والبدني والاهتمام أكثر للحفاظ على هذه النتيجة المهمة لأنه من الطبيعي أن تكون ردة فعل لاعبو الأهلي قوية بالاندفاع للأمام لادراك الفوز في الوقت المتبقي من اللقاء ولكن للاسف ما شاهدناه بعد هدف السماني هو عودة ذات الشرود الذي حدث في بداية الشوط الأول نتيجة لمقابلة نفس الحالة التي كان عليها اللاعبون قبل المباراة وهي نشوة الفرح امام الهلال ودخولهم لارضية الملعب وقد غطتهم هذه النشوة بثوب التراخي وعدم التركيز بالاضافة للشد الذهني والعصبي العالي للاعبين وبالتالي ضاعت الجدية لنفقد بعدها كل العوامل الداعية للقوة والحماس ولهذا وذاك نجح الأهلي في خطف هدف سريع بعد هدف السماني دون مقاومة تذكر وبكل بساطة دخل اللاعب منطقة جزاء المريخ وحقق ما تمناه فيما لم يكن الوقت كافيا لتفادي الصدمة والعودة مرة أخرى كما حدث عند بداية اللقاء أو بعد إحراز الأهلي لهدفيه
ما ارغب في قوله أن الأهلي وبعد إحرازه للهدف الثالث فعل ما كان يجب على المريخ أن يفعله عندما أحرز السماني هدف التعادل فلقد اغلق لاعبو الاهلي كل المنافذ والطرق وعمدوا على تأخير اللعب بالإرتماء ارضا ثم المحافظة على الكرة أطول وقت ممكن لتكون النتيجة في صالحهم فمتى نتعلم أن نلعب المباريات على فترات متفرقة وأن لكل فعل رد فعل علينا القيام به وفي وقته المناسب.
*نقاط مهمة*
هذا حالنا لاعبينا في السودان وهذه قدراتهم التي يعرفها الجميع ومن الصعب أن يتم الاصلاح بين يوم وليلة ولابد من الصبر ورويدا رويدا سنصل يوما ما.
شاهدت معظم وسائل التواصل الاجتماعي وتأكد لي أننا شعب نجيد الفرح والطرب والتهليل بإفراط عند الفوز وعند أول خسارة ندمن الانتقاد واللوم والحسرة وننسى كل جميل وبإفراط ايضا وقد ننسى وفي احيان كثيرة أنها كرة قدم تنتهى بأحد الأمور الثلاثة النصر أو الخسارة أو التعادل.
اعطيناهم الثقة الكاملة أمام الهلال ودعمناهم إعلام وجمهور لأنهم فازوا على الهلال وعبروه بكل قوة واقتدار وبدلا من الفرح بنسبة معقولة ونحن نعرف تماما نفسية اللاعب السوداني الهشة وانه عندما يفوز ترتفع روحه المعنوية في عنان السماء لتصل درجة من الصعب عليه أن ينفصل عنها إلا بعد احداث ردة فعل مضادة وقوية مثل أول خسارة تقابله وهذا هو مربط الفرس(الخسارة من الاهلي) فالانغماس في فرح الفوز على الهلال أخذ وقتا طويلا فات الحد المعقول ففي اوروبا مثلا يفرح اللاعبون لليلة واحدة فقط خاصة عندما تكون البطولة مستمرة والمباريات متلاحقة لذا يعتبرون الفوز بمثابة نقطة انطلاق جديدة لمراجعة الهفوات التي حدثت ومعالجتها من أجل الاستمرارية في الكسب لذلك ينجحون أو يظهرون بشكل جيد ومتطور.
على الجميع نسيان ما حدث والاهتمام اكثر باللقاء القادم أمام الهلال والتركيز فيه وترك الجهاز الفني واللاعبين يعملون في صمت من اجل الفوز في لقاء القمة القادم.
تالق اللاعبون في هذه المباراة وعادوا بالنتيجة للتعادل وهذا يحسب لهم ولكنهم فرطوا في الحفاظ على النتيجة لذا عليهم استيعاب الدرس جيدا وأن كرة القدم تعطي لمن يلعب بحماس وقوة حتى النهاية فلا يكفى ان تحقق المطلوب فقط ثم تقف لتتفرج عليه وتحتفل به دون أن تكون لديك ردة فعل جازمة وحاسمة للحفاظ عليه حتى صافرة النهاية.
مباراة الأهلي اظهرت عدة نجوم ادوا بقوة وتفان واخلاص للكرة مثل عمار طيفور والصيني وتوني ورمضان واعتبر هذا الرباعي قام بأدوار كبيرة في تلك المباراة استحقوا عليها الإشادة والتقدير رغم خسارة الثلاث نقاط.
الرد كاسل موقع رياضي شامل